﴿ﻣﺤمد صﻠﻰ الله عليه وسلم ﻓﻲ القرآن والسنة﴾
عبد الرﺣﻤن بن عبد الله السحيم
2009 ‐ 1430
1
المقدمة
الحمد لله الذي ك رم الإنسان بالإيمان ، وميزه بالعقل ، ولم يجعله كسائر المخلوقات ، تعيش بلا
هدف ، أو تعيش لغيرها ، بل جعله مفكِّرًا ، يسمو ِبفكره ، ويع مل عقله .
ومن هنا قال الله تعالى : ( وَلقََدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَْرِّ وَالبَْحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ
. [ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تفَْضِيلاً ) [الإسراء: 70
هذا التكريم الرباني هو في الأصل للأصل ، أي لجنس النوع الإنساني ، إلا أن الإنسان ِبنفسه
يسمو بالإيمان ، أو ينح ّ ط بانعدامه .
َّا خَلَقْنَا � وقد جعل الله له اختيارًا ، وأعطاه عق ً لا ، وأوضح له ال سبيل ، وأبان له الطريق (إِ
، اَّ هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) [الإنسان: 2 � بَْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِ يرًا ( 2) إِ � طُْفَةٍ أَمْشَاجٍ � سَْانَ مِنْ � الإِ
. [3
اً وَشَفَتَيْنِ ( 9) وَهَدَيْنَاهُ � جَْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وَلِسَا � وقال رب العزة سبحانه عن هذا الإنسان : (أَلَمْ
. [10- النَّجْدَيْنِ ) [البلد: 8
ومن عدل الله و حكمته أن أرسل ال ر سل ، وأن زل ال ُ كتب ، وأقام البينات ، ون صب الأدّلة
على وحدانيته .
فأيد ر سله بالمعجزات والآيات الباهرات ، فلم يبق أمام أعداء ال ر سل – بل وأعداء الع ْ قل –
إلا المكابرة والمعاندة .
فإن إنكار الوحدانية لله دْفع ِبال ص در ، و ضرب بالو جه .
فإن النفوس شاهدة بأن الله ليس له شريك .
بل الوجود أجمع شاهد بذلك .
وقد ضرب الله الأمثلة على ذلك ، فمن ذلك قوله تعالى : (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لفََسَدَتاَ )
[الأنبياء: 22 ] أي لو كان في الأرض والسماء آلهة متعددة َلفَسد ت السماوات والأرض ، فالعقل
والمنطق يقول : إما أن يتغّلب إله على إله على آخر ، فيكون الغالب هو المتف رد ، وإما أن يذهب كل
2
إله بما له من ملك ومكان و خْلق ، وهنا يفسد أمر السماوات والأرض ، ولذا قال رب العزة سبحانه
: (مَا اتخََّذَ اللَّهُ مِنْ وَلدٍَ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍَ إِذًا لذََهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بمَِا خَلَقَ وَلعََلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا
[ يَصِفُونَ) [المؤمنون: 91
ومن هنا فإننا ندعو كل إنسان منصف عاقل أن يتأمل في هذا المعنى ، وأن يعلم أن دعوة
رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لم تخرج عن دعوات الأنبياء السابقين ، بل هي منتظمة في
سلكهم ، سائرة في طريقهم ، مقتفية آثارهم ، ومن هنا قال رب العزة سبحانه : (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ
. [ الرُّسُلِ) [الأحقاف: 9
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا أولى الناس بابن مريم ، والأنبياء أولاد علات ، ليس
بيني وبينه نبي . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية لمسلم : أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الأولى والآخرة . قالوا : كيف يا رسول
الله ؟ قال : الأنبياء إخوة من علات ، وأمهام شتى ، ودينهم واحد ، فليس بيننا نبي .
ودعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم استجابة لدعوة أبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه الصلاة
َّكَ � والسلام ، حينما قال : (رَبنََّا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِْتَابَ وَالحِْكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِ
. [ تَْ العَْزِيزُ الحَْكِيمُ) [البقرة: 129 �أَ
هي ِبشارة نبي الله عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام .
يِّ رَسُولُ اللَّهِ إِليَْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ � قال الله تبارك وتعالى : (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِ
. [ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا برَِسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ باِلبَْيِّنَاتِ قَالوُا هَذَا سِحْر مُبِين) [الصف: 6
ونحن إذ نضع بين يدي القارئ هذا الموضوع لنرجو الله وندعوه أن يفتح به أعينًا عميًا ، وآذانا
ص ما ، وقلوبًا ُ غْلفا .
3
ونضع بين يدي القارئ أعظم إنسان في العالم [ محمد صلى الله عليه وسلم ] ليقف بنفسه على
بعض البشارات التي و رد ت في ال ُ كتب المتقدمة من ُ كتب أهل الكتابات ، والتي كانت سببا في إسلام
الكثيرين من أهل الكتاب .
كما نضع بين يديه إشارات إلى البشارات من خلال واقع معا صريه صلى الله عليه وسلم ،
سواء ممن آمن به أو ممن لم يؤمن به ، وإن كان أضمر ذلك في نفسه ، وأق ر به في قرارة نفسه .
كما نشير إلى طريقة القرآن في إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .
وأشرنا إلى الأدّلة العقلية التي تقتضي صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .
وأن دعوته ليست ِبدعًا من الدعوات ، وهو لم يخالف ال رسل والأنبياء في أصل الدعوة إلى
وحدانية الله وإفراده بالعبودية .
بل هذا أمر اتفقت عليه الرسالات ، وتتابع عليه الأنبياء ، وأقر به المو حدون على م ر الأزمان ،
حتى كان ذلك الإقرار في فترات خل ت من ال ر سل ، كتلك الفترة التي سبق ت مبعثه صلى الله عليه
وسلم ، فقد و ِ جد فيها من أفراد الناس من يو حد الله ، ولا يأكل ما ُ ذِبح لغير الله ، وكان هؤلاء
ينكرون عبادة غير الله .
وقد آن أن نترك القارئ مع محاور هذا الموضوع ، وهي كالتالي :
-1 أعظم إنسان في العالم في القرآن والسنه.
-2 أعظم إنسان في العالم في كتب أهل الكتاب.
4
( أعظم إنسان في العالم في القرآن والسنه )
محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن والسنة
لقد قرر الله في كتابه اْل مِبين نبوة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ِب ُ طرق كثيرة متن وعة ، "
يع رف ا كمال صدقه صلى الله عليه وسلم ، فأ خبر أنه ص دق المرسلين ، و دعا إلى ما دعوا إليه ،
وأن جميع المحاسن التي في الأنبياء فهي في محمد صلى الله عليه وسلم ، وما ن زهوا عنه من النواقص
والعيوب فمحمد أولاهم وأحّقهم ذا التن ِ زيه ، وأن شريعته مهيمنة على جميع الشرائع ، وكتابه
مهيمن على كل ال ُ كتب ، فجميع محاسن الأديان وال ُ كتب قد جمعها هذا الكتاب وهذا ال دين ، وَفاق
عليها ِبمحا سن وأوصاف لو تو جد في غيره ، وق رره نبوته بأنه أم ي لا يكتب ولا يقرأ ، ولا جاَلس
أحدا من أهل العلم بال ُ كتب السابقة ، بل لم يفجأ الناس حتى جاءهم ذا الكتاب الذي لو اجتمعت
الإنس والجن على أن يأتوا بمثله ما أتوا ، ولا َق دروا ، ولا ه و في استطاعتهم ، ولو كان بعضهم
لبعض ظهيرًا ، وأنه محال مع هذا أن يكون من تلقاء نفسه ، أو متق ول ، أو متو هم فيما جاء به .
وأعاد في القرآن وأبدى في هذا النوع ، وق رر ذلك بأنه يخِبر بقصص الأنبياء السابقين مط ولة على
الوجه الواقع الذي لا يستريب فيه أحد ، ثم يخبر تعالى أنه ليس له طريق ولا وصول إلى هذا إلا بما
اَدَيْنَا � ِبِ الطُّ ورِ إِذْ � آتاه الله من الوحي ، كمثل قوله تعالى لما َ ذ َ كر قصة موسى مط ولة : (وَمَا كُنْتَ بجَِا
ِبِ الغَْرْبيِِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلىَ مُوسَى الأَمْرَ) ، وكما في قوله : (وَمَا كُنْتَ لدََيْهِمْ � وَلكَِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبكَِّ) ، (وَمَا كُنْتَ بجَِا
إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيهُُّمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لدََيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) ، ولما َ ذ َ كر قصة يوسف وإخوته مط ولة قال :
(وَمَا كُنْتَ لدََيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) .
فهذه الأمور والإ خبارات المف صلة التي يف صلها تفصيلا لم يتم ّ كن أهل الكتاب الذين في وقته ولا
من بعدهم على تكذيبه فيها ولا معا رضته – من أكبر الأدلة على أنه رسول الله حّقًا .
وتارة يق رر نبوته ِبكمال حكمة الله وتمام ُقدرته ، وأن تأييده لرسوله ، ون صِ ره على أعدائه ،
وتمكينه في الأرض موافق غاية الموافقة لحكمة الله ، وان من َق دح في رسالته فقد َق دح في حكْ مة الله
وفي ُق د رته .
5
وكذلك ن صره وتأييده الباهر على الأمم الذين هم أقوى أهل الأرض من آيات رسالته ، وأدلة
توحيده ، كما هو ظاهر للمتأملين .
وتارة يق رر نبوته ورسالته بما حا زه من أوصاف الكمال ، وما هو عليه من الأخلاق الجميلة ،
وأن كل خُلق عال ساٍم َفل رسول الله صلى الله عليه وسلم منه أعلاه وأكمله ؛ َف من ع ُ ظمت صفته
وفاَق ت نعوته جميع اْل خْلق التي أعلاها ال صدق . أليس هذا أكبر الأدلة على أنه رسول رب العالمين ،
والمصطفى المختار من اْل خْلق أجمعين ؟
وتارة يق ررها بما هو موجود في ُ كتب الأولين ، وبشارات الأنبياء والمرسلين ، إما باسمه اْلعَلم ،
أو بأوصافه الجليلة ، وأوصاف أمته ، وأوصاف دينه .
وتارة يق رر رسالته بما أخبر به من الغيوب الماضية ، والغيوب المستقبلة ، التي وَقع ت في زمانه ،
والتي لا تزال تَقع في كل وقت ، فلولا الوحي ما وصل إليه شيء من هذا ، ولا له ولا لغيره طريق
إلى العلم به .
وتارة يق ررها ِبحفظه إياه ، و عصمته له من اْل خْلق ، مع تكالب الأعداء وضغطهم ، وج دهم
التام في الإيقاع به بكل ما في وسعهم ، والله يع صمه ، ويمنعه ، وينصره ! وما ذاك إلا لأنه رسوله حقًا
، وأمينه على وحيه .
وتارة يق رر رسالته ِب ذ ْ كر عظمة ما جاء به ، وهو القرآن الذي ( لا يَأْتِيهِ البَْ اطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ
خَلْفِهِ تنَْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) وتح دى أعداءه وم ن َ كَفر به أن يأتوا بمثله ، أو ِبعشر سور مثله ، أو ِبسورة
واحدة ، فعجزوا ، ونكصوا ، وباؤوا بالخيبة والَف شل ! وهذا القرآن أكبر أدّلة رسالته ، وأجّلها ،
وأع مها .
وتارة يق رر رسالته بما أظهر على يديه من المعجزات ، وما أجرى له من الخوارق والكرامات
الداّلة – كل واحد ِبمف ر ده منها ، فكيف إذا اجتمعت – على أنه رسول الله الصادق المصدوق ،
الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى .
وتارة يق ررها ِبعظيم شفقته على اْل خْلق ، و حن وه الكامل على أمته ، وانه بالمؤمنين رؤوف رحيم
، وانه لم يوجد ، ولن يو جد أحد من اْل خْلق أعظم شفقة وِبرًا وإحسانًا إلى الخلق منه ، وآثار ذلك
ظاهرة للناظرين .
6
فهذه الأمور والطُّ رق قد أكثر الله من ذكرها في كتابه ، وق ررها ِبعبارات متن وعة ، ومعاني
مف صلة ، وأساليب عجيبة ، وأمثلتها تفوق العد والإحصاء " [ بطوله من القاعدة السابعة من : "
القواعد الحسان المتعلقة بتفسير القرآن " للشيخ السعدي رحمه الله ] .
فهذه الأمور التي ق ررها الشيخ وبسطها هي من ألأدلة العقلية المتفقة مع الأدلة النقلية ، فالله
تبارك وتعالى خا َ طب العقول ، ولذا نعى على العرب أم لا يع ملون عقولهم في رسالة محمد صلى الله
عليه وسلم ، وفيما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فمن ذلك :
قوله تعالى : ( أَلمَْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الكِْتَابِ أَنْ لا يَقُولوُا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الحَْقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآَخِرَةُ
. [ خَيْر لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تعَْقِلُونَ ) [الأعراف: 169
وقوله تعالى : ( قُلْ لوَْ شَاءَ اللَّهُ مَا تلََوْ تهُُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لبَِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تعَْقِلُونَ )
. [ [يونس: 16
. [ اً عَرَبيِا لعََلَّكُمْ تعَْقِلُونَ ) [يوسف: 2 � زَْلنَْاهُ قُرْآَ � اَّ أَ � وقوله سبحانه وتعالى : ( إِ
. [ زَْلنَْا إِليَْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تعَْقِلُونَ ) [الأنبياء: 10 � وقوله عز وجل : ( لقََدْ أَ
إلى غير ذلك من الآيات التي خا َ طب ت عقول الناس ، أفلا ترون إلى هذا النبي الذي ُأرسل إليكم
، لم يكن قبل اليوم يتلو من كتاب ( وَمَا كُنْتَ تتَْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تخَُطُّ هُ بيَِمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ المُْبْطِلُونَ )
؟ [ [العنكبوت: 48
كما أن هذا النبي الذي ُأر سل إليكم لِبث فيكم سنين عددا قبل بعثته ، فأنتم تعرفون خلَُقه ،
وتعرفون أمانته ، وهو ذو نسب فيكم ، بل هو من أشرافكم .
هذا خطاب للعقول السليمة أن تتف ّ كر وتتأمل قبل أن تكذِّب هذا الرسول الذي يأتيهم بأنباء
الغيب ، والتي لم ي ِ جدوا لها م دَفع ، إلا أن يدَفع في ال ص در ، ويقال عن الشمس في رابعة النهار ليس
دوا غيم : هذا ليل !
فمن ذلك أنه أخبر بنبأ َ غَلبة ال روم – النصارى – فيما بعد ، وذلك في َأم د قريب :
7
ىَ الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ( 3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ � ( غُلِبَتِ الرُّومُ ( 2) فِي أَدْ
بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُْؤْمِنُونَ ( 4) بنَِصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ العَْزِيزُ الرَّحِيمُ ( 5) وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكَِنَّ
. [6- أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) [الروم: 2
وقد وَقع هذا خلال الزمن الذي جاء به الوحي ، والذي ح دد ب (بِضْعِ سِنِينَ ) من الثلاث إلى
التسع سنوات .
ودارت الأيام ، و داَل ت ال روم على فارس ، وانتصر ت الروم من بعد َ غَلِبهم .
هذه آيات باهرات ، ومعجزات ظاهرات ، لم يستطيعوا دفعها ولا ر دها في حقيقة الأمر ، وإنما
ر دوها ظلما و عل وًا ، كما قال تعالى عن آل فرعون مع موسى عليه الصلاة والسلام : ( فَلَمَّا جَاءَتهُْمْ
ظُْرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ � فُْسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوا فَا � آَيَاتنَُا مُبْصِرَةً قَالوُا هَذَ ا سِحْر مُبِين ( 13 ) وَجَحَدُوا بهَِا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَ
. [ المُْفْسِدِينَ ) [النمل: 14 ،13
ثم يذ ّ كرهم مع جحودهم ، بأن هذا النبي لو كان كاذبًا لم يم ّ كن له في الأرض ، ولا ن صره الله
هَُّ لقََوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ( 40 ) وَمَا هُوَ بقَِوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تؤُْمِنُونَ ( 41 ) وَلا بقَِوْلِ كَاهِنٍ � على أعدائه ، فقال تعالى : ( إِ
( اَ مِنْهُ بِاليَْمِينِ ( 45 � قَلِيلاً مَا تذََكَّرُونَ ( 42 ) تنَْزِيلٌ مِنْ رَبِّ العَْالمَِينَ ( 43 ) وَلوَْ تقََوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ ( 44 ) لأَخَذْ
[46- ثمَُّ لقََطَعْنَا مِنْهُ الوَْتِينَ ) [الحاقة: 40
وهذه أدلة عقلية تخا طب العقول إن كانت تعي !
كيف يمكِّن الله لمن َ ك َ ذب عليه ؟
وكيف ينصر الله من زعم أن الله أرسله ؟
( أي : لو كان كاذبا على الله َلَق صمه ولم يمكِّن له ولم ينصره )
فإن سنة الله أنه يأخذ الظالم أخذ عزيز مقتدر ، وأنه يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته
8
والله لا يحب الظالمين ، ولا يحب الكا ذبين ، ولا يصلح أعمال المفسِ دين ، قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ
. [ لا يُصْلِحُ عَمَلَ المُْفْسِدِينَ) [يونس: 81
وقد نصر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ، وأظهر صدقه ، وأيده على أعدائه ،
ون صره عليهم ، حتى طأطأت أمامه رؤوس الجبابرة ، وخضعت له صناديد قريش ، وبَلغ ت دعوته
المشارق والمغا ِ رب ، واعترف ِبصدقه القريب والبعيد ، والعدو اْل محا ِ رب .
وقد ص دقه أهل الكتاب ، وعرفوه بصفاته المذكورة في ُ كتبهم .
روى البخاري من طريق عطاء بن يسار قال : َلقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله
عنهما قلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة . قال : أجل والله إنه
لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا و حرزا
للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، س ميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ولا س خاب في الأسواق ، ولا
يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله
إلا الله ، ويفتح ا أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا ُ غلفا .
ومن هنا فإننا نخا طب العقول التي تعي أن تتأمل في حياة ذلك الرجل العظيم ، الذي شِ هد
بنبوته كل من صف من أهل الكتاب ، كعبد الله بن سلام الذي كان يهوديا فأسَلم لما رأى وجه النبي
محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئ ت في الناس لأنظر إليه ،
فلما استثب ت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ع رْف ت أن وجهه ليس بوجه ك ّ ذاب . رواه الإمام
أحمد والترمذي وابن ماجه .
وهو الذي قال الله في شأنه : ( و ش ِ ه د شاهد م ن بِني ِإ س رائي َ ل عَلى مثْله فَآَم ن واست ْ كب رت م )
ولذا ذهب غير واحد من المف سرين إلى أن المقصود بالآية هو عبد الله بن سلام رضي الله عنه .
فهو قد شهد شهادة الحق ، وأخبر أن صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة .
وقصة إسلامه في صحيح البخاري .
9
وش ِ هد كذلك هرقل ( رئيس النصارى في زمانه ) بصدق نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
فإنه لما جاء كتاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى هرقل – عظيم ال روم – لم يُقل : هذه
رسالة خاصة بالعرب ، ولا بالأعراب ، كما لم يُقل : هذا غير صادق ، وإنما قال لأبي سفيان – وكان
أبو سفيان آنذاك مشرِكًا – : فإن كان ما تقول حقًا فسيملك موضع قدمي هاتين ، وقد كنت أعلم
أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم ، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتج شم ت لقاءه ، ولو ُ كن ت عنده
َلغ سْل ت عن َق دمه . رواه البخاري ومسلم .
وآمن به ملك الحبشة ( النجاشي ) ، وقال عن القرآن – وقد س مع آيات من سورة مريم –
فبكى حتى أخضل لحيته ، وب َ ك ت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تْل ي عليهم ، ثم قال
النجاشي : إن هذا والله والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة . رواه الإمام أحمد .
كما ش ِ هد بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم غير واحد من اليهود ، مع أم لم يؤمنوا به إلا
أم اعترفوا أنه هو الذي ُ ذ كر و و صف في التوراة .
يهود يشهدون بنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم
ش ِ هدت اليهود بصدق نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
قال الله عز وجل : ( وَل ما جاء ه م كتاب م ن عن د الّله مصدق لِّ ما معهم و َ كانواْ من َقبلُ ي ست ْ فت حو َ ن
عَلى الَّذي ن َ كَف روْا َفَل ما جاء هم ما ع رُفوْا َ كَف روْا ِبه َفَلعنةُ اللَّه عَلى الْ َ كافرِي ن )
وعن أنس رضي الله عنه قال : كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض ، فأتاه النبي
صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له : أسلم . فنظر إلى أبيه وهو عنده ، فقال له :
أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ، فأ سَل م ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : الحمد
لله الذي أنقذه من النار . رواه البخاري .
فهذا اليهودي أمر ابنه أن يطيع أبا القاسم ، مما يد ّ ل على أنه يعلم في قرارة نفسه بصدق نبوة النبي
صلى الله عليه وسلم .
10
وح دث سلمة بن سلامة بن وقش - وكان من أصحاب بدر - قال : كان لنا جار من يهود في بني
عبد الأشهل قال : فخرج علينا يوما من بيته قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بيسير فوقف على
مجلس عبد الأشهل . قال سلمة : وأنا يومئذ أ ح دث من فيه سنًا على بردة مضطجعا فيها بفناء أهلي
فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار ، فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا
يرون أ ّ ن بعثًا كائن بعد الموت ، فقالوا له : ويحك يا فلان ترى هذا كائنًا أن الناس يبعثون بعد موم
إلى دار فيها جنة ونار ، يجزون فيها بأعمالهم ؟ قال : نعم ، والذي يحلف به لو د أن له بحظه من تلك
النار أعظم تنور في الدنيا يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبق به عليه ، وأن ينجو من تلك النار غدا . قالوا
له : ويحك وما آية ذلك ؟ قال : نبي يبعث من نحو هذه البلاد ، وأشار بيده نحو مكة واليمن . قالوا :
ومتى تراه ؟ قال : فنظر إل ي وأنا من أحدثهم سنًا ، فقال : إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه .
قال سلمة : فو الله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم وهو حي
بين أظهرنا ، فآمنا به وكفر به بغيًا وحسدًا ، فقلنا : ويلك يا فلان ! ألست بالذي قلت لنا فيه ما
قلت ؟ قال : بلى ، وليس به !
وح دثت صفية – رضي الله عنها – فقالت : كنت أح ب ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر ، لم ألقهما
قط مع ول د لهما إلا أخذاني دونه . قالت : فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل قباء
في بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي حيي بن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسين ، فلم يرجعا
حتى كانا مع غروب الشمس ، فأتيا كالَّين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينا . قالت : فهششت إليهما
كما كنت أصنع ، فوالله ما التفت إ ّ لي واحد منهما مع ما ما من الغ م . قالت : وسمعت عمي أبا
ياسر وهو يقول لأبي حيي بن أخطب : أهو هو ؟ قال : نعم والله ! قال : أتعرفه وتثبته ؟ قال :
نعم . قال : فما في نفسك منه ؟ قال : عداوته والله ! رواه ابن إسحاق في السيرة فيما ذكره ابن
هشام .
11
ها هم اليهود يشهدون بنبوة سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام ، ومع ذلك جحدوا ا .
( َفَل ما جاء هم ما ع رُفوْا َ كَف روْا ِبه َفَلعنةُ اللَّه عَلى الْ َ كافرِي ن ) .
ولذا قال عليه الصلاة والسلام : لو آمن بي عشرة من اليهود ، لآمن بي اليهود . رواه البخاري
ومسلم .
وفي رواية لمسلم : لو تابعني عشرة من اليهود ، لم يبق على ظهرها يهودي إلا أسلم .
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
التواضع والب ساطَة في حياة سيد ال سادة
لقد تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لم ي دع لمتوا ضع قو ً لا ، ولم يترك ل مت َ كبر حجة .
فهو عليه الصلاة والسلام المؤيد بالوحي ، وهو خليل الرحمن ، وهو من ُأسري به من المسجد
الحرام إلى المسجد الأقصى ، ثم ع ِ رج به إلى السماوات العلى ، وهو عليه الصلاة والسلام سيد ولد
آدم ، بل هو أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام ، ومع ذلك كان يتواضع لله َف رَفعه الله عز وجل .
كان يأكل الطعام ويمشي في الأسواق
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي السوق ، ويماز ح أصحابه ، وكان رجل من أهل البادية
اسمه زاهر ، كان يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم الهدية من البادية ، فيجه زه رسو ُ ل الله صلى الله
عليه وسلم إذا أراد أن يخرج ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن زاهرًا باديتنا ونحن حاضرته ،
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ، وكان رجلا دميما ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبيع
متاعه فاحتضنه من خلفه ، فقال له : من هذا ؟ أرسلني ، والتفت ، فعرف الن بي صلى الله عليه
12
وسلم فجعل الن بي صلى الله عليه وسلم يقول : من يشتري مني هذا العبد ؟ وجعل هو يلصق ظهره
بصدر النبي صلى الله عليه وسلم ويقول : إذا تجدني كاسدًا ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :
لكنك عند الله لست بكاسد . رواه الإمام أحمد وغيره وهو حديث صحيح .
ويما ِ زح أصحابه ، وينام معهم
روى الإمام مسلم عن المقداد رضي الله عنه قال : أقبلت أنا وصاحبان لي ، وقد ذهبت أسماعنا
وأبصارنا من اْل ج هد ، فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس أحد
منهم يقبلنا ، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق بنا إلى أهله فإذا ثلاثة أعنز ، فقال النبي صلى
الله عليه وسلم : احتلبوا هذا اللبن بيننا .
قال : فكنا نحتلب فيشرب كل إنسان منا نصيبه ، ونرفع للنبي صلى الله عليه وسلم نصيبه .
قال : فيجيء من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان .
قال : ثم يأتي المسجد فيصلي ، ثم يأتي شرابه فيشرب ، فأتاني الشيطان ذات ليلة وقد شربت
نصيبي ، فقال : محمد يأتي الأنصار فيتحفونه ، ويصيب عندهم ما به حاجة إلى هذه الجرعة ! فأتيتها
فشربتها فلما أن وغلت في بطني وعلمت أنه ليس إليها سبيل ، ندمني الشيطان ! فقال : ويحك ما
صنعت ؟ أشربت شراب محمد ؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك ، فتذهب دنياك وأخرتك ،
و عَل ي شملة إذا وضعتها على قدمي خرج رأسي ، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي ، وجعل لا
يجيئني النوم ، وأما صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت .
قال : فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فسّلم كما كان يسلم ، ثم أتى المسجد فصلى ، ثم أتى
شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا ، فرفع رأسه إلى السماء ، فقلت : الآن يدعو علَ ي فأهلك ،
فقال : اللهم أطعم من أطعمني وأسق من أسقاني .
قال : فعمدت إلى الشملة فشددا عل ي ، وأخذت الشفرة فانطلقت إلى الأعنز أيها أسمن
فأذبحها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هي حافلة وإذا هن حفل كلهن ، فعمدت إلى إناء لآل
محمد صلى الله عليه وسلم ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه ، قال : فحلبت فيه حتى عَلته رغوة ،
فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أشربتم شرابكم الليلة ؟
13
قال : قلت : يا رسول الله اشرب ، فش ِ رب ، ثم ناولني فقلت: يا رسول الله اشرب ، فش ِ رب ، ثم
ناولني فلما عرفت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد روى وأصبت دعوته ض حكْت حتى ألقيت إلى
الأرض .
قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إحدى سوآتك يا مقداد !
فقلت : يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا ، وفعلت كذا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
ما هذه إلا رحمة من الله ، أفلا كنت آذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها ؟
قال : فقلت : والذي بعثك بالحق ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك من أصاا من الناس .
فأي تواضع تكتنفه ع َ ظمة هذا النبي الأمين صلى الله عليه وسلم ؟
يغضي حياءً ويغضى من م هابته *** فلا يكّلم إلا حين يبتس م
النبي صلى الله عليه وسلم يبيت مع أصحابه وهو قائد الأمة ، بل ويقتسمون اللبن بينهم
بال سوية !
واليوم نرى من ينتسب إلى العلم أو إلى المناصب الدنيوية لا يكلِّمون الناس إلا من أطراف أنوفهم!
وربما لا ير دون السلام خشية أن تذهب الهيبة !
نبي الله يساِبق أصحابه رضي الله عنهم
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ساب ق بين الخيل
التي ُأضمرت من الحفياء ، وأمدها ثنية الوداع ، وساب ق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد
بني زريق .
وروى البخاري عن أنس قال : كانت ناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى العضباء
وكانت لا تسبق ، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها ، فاشت د ذلك على المسلمين ، وقالوا : سِبَقت
العضباء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا
وضعه .
14
سيد ولد آدم يدخل السرور على أهله ، فيساِبق زوجته
قالت عائشة رضي الله عنها : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا خفيفة اللحم
فنزلنا مترلا ، فقال لأصحابه : تقدموا ، ثم قال لي : تعالي حتى أسابقك ، فسابقني فسبقته ، ثم
خرجت معه في سفر آخر ، وقد حملت اللحم ، فنزلنا منزلا ، فقال لأصحابه : تقدموا ، ثم قال
لي : تعالي أسابقك ، فسابقني فسبقني ، فضرب بيده كتفي وقال : هذه بتلك . رواه أحمد وأبو داود
والنسائي في الكبرى ، وغيرهم ، وهو حديث صحيح .
نبي الله صلى الله عليه وسلم يجيب الدعوة ولو كانت على يسير الطعام
روى البخاري ومسلم ع ن َأن ِ س ب ِ ن مال ك رضي الله عنه َأنَّ ج دته مَلي َ كَة د عت ر سو َ ل اللَّه صلى
الله عليه وسلم لطَعاٍم صنعته له ، َفَأ َ ك َ ل منه ، ُث م قَا َ ل : ُقوموا َفلأُ صلِّ َل ُ ك م .
قَا َ ل َأنس : َفقُمت إَلى ح ص ٍ ير َلنا َق د اسو د م ن ُ طو ِ ل ما لُِب س ، َفن ضحته ِبماءٍ ، َفَقام عَليه رسولُ
اللَّه صلى الله عليه وسلم و صَففْت َأنا واْليتي م وراءَه ، والْع جوز م ن و رائنا . َف صلَّى َلنا ركْعتي ِ ن ، ُث م
ان ص ر ف .
ويجيب الدعوة ولو كانت من رجل فقير
ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : إن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه
وسلم لطعام صنعه . قال أنس : فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام ، فق رب
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزا ومرقا فيه دباء وقديد ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم
يتتبع الدباء من حوالي القصعة .
وعند الإمام أحمد : أن خياطا دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى طعام فأتاه بطعام وقد جعله بإهالة
سنخة وقرع .
والإهالة : ما أذيب من الشحم ، وقيل : الإهالة الشحم والزيت ، وقيل كل ده ٍ ن أُوت دم به .
ذكره العيني .
وال سِن خة : أي المتغيرة ال ريح . قاله ابن حجر .
15
بل يجيب الدعوة ولو كانت من يهودي أو يهودية !
فقد أجاب صلى الله عليه وسلم دعوة امرأة يهودية حينما دعته إلى الطعام .
روى الشيخان عن أنس أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل
منها ، فجيء ا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك ، فقالت : أردت لأقتلك . قال
: ما كان الله ليسلِّطك على ذاك .
وقال مؤكِّدا على هذا المعنى :
لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجب ت ، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لَقِبلْت . رواه البخاري .
سيد ولد آدم يجلس بين أصحابه فيأتي الرجل الغريب فلا يميزه من بينهم حتى يسأل عنه !
فعن أبي هريرة قال : بينا النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه جاءهم رجل من أهل البادية فقال
: أيكم ابن عبد المطلب ؟
قالوا : هذا الأمغر المرتفق .
قال حمزة – أحد رواة الحديث – : الأمغر الأبيض المشرب حمرة .
قال : إني سائلك َف م شت د عليك في المسألة .
قال : سل ع ما بدا لك .
قال : أنشدك بر ب من قبلك ورب من بعدك آلله أرسلك ؟
قال : اللهم نعم .
قال : وأنشدك به آلله أمرك أن نصلي خمس صلوات في كل يوم وليلة ؟
قال : اللهم نعم .
قال : وأنشدك به آلله أمرك أن تأخذ من أموال الأغنياء فتر ده على فقرائنا ؟
قال : اللهم نعم .
قال : وأنشدك به آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من اثني عشر شهرا ؟
قال : اللهم نعم .
16
قال : وأنشدك به آلله أمرك أن نح ج هذا البيت من استطاع إليه سبيلا ؟
قال : اللهم نعم .
قال : فإني آمنت وص دقت ، وأنا ضمام بن ثعلبة . رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي .
وعن أبي جري جابر بن سليم قال : رأيت رجلا يصدر الناس عن رأيه لا يقول شيئا إلا ص د روا
عنه .
قلت : من هذا ؟
قالوا : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قلت : عليك السلام يا رسول الله مرتين .
قال : لا تقل عليك السلام ، فإن عليك السلام تحية الميت قل : السلام عليك .
قال : قلت : أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
قال : أنا رسول الله الذي إذا أصابك ض ر فدعوته كشفه عنك ، وإن أصابك عام سنة فدعوته
أنبتها لك ، وإذا كنت بأرض قفراء أو فلاة َف ضّلت راحلتك فدعوته ر دها عليك .
قلت : اعهد إ ّ لي .
قال : لا تسبن أحدا .
قال : فما سببت بعده ح را ولا عبدا ولا بعيرا ولا شاة .
قال : ولا تحقرن شيئا من المعروف ، وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك إن ذلك من
المعروف ، وارفع إزارك إلى نصف الساق ، فإن أبيت فإلى الكعبين ، وإياك وإسبال الإزار فإا من
المخيلة ، وإن الله لا يحب المخيلة ، وإن امرؤ شتمك وعيرك بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فيه ، فإنما
وبال ذلك عليه . رواه الإمام أحمد وأبو داود .
من أجل ذلك لجأ أصحابه إلى تمييزه
فعن أبي ذر وأبي هريرة قالا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بين ظهري أصحابه
فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل ، فطلبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعل له
مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه . قال : فبنينا له دكانًا من طين فجلس عليه ، وكنا نجلس بجنبتيه . رواه
أبو داود والنسائي .
17
قال ابن الأثير : الدكان ال دكة المبنية للجلوس عليها .
نبي الله صلى الله عليه وسلم يستمع لامرأة في عقلها شيء
روى الإمام مسلم عن أنس أن امرأة كان في عقلها شيء ، فقالت : يا رسول الله إن لي إليك
حاجة ، فقال : يا أم فلان ! انظري أي السكك شئت حتى أقضي لك حاجتك ، فخلا معها في بعض
الطرق حتى فرغت من حاجتها .
است م ع صلى الله عليه وسلم إلى ما تريد أن تقوله فلم يضع ذلك من قدره بل رفع الله منزلته
صلى الله عليه وسلم .
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي لهم حوائجهم
فعن عبد الله بن أبي أوفى قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الذكر ، ويق ّ ل اللغو ،
ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة ، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له حاجته . رواه
النسائي .
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس مع أصحابه في بستان ويدلِّي رجليه مع أرجلهم في
البئر
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط بالمدينة على قُ ف البئر مدلِّيًا رجليه ، َف د ق الباب أبو
بكر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى : ائذن له وب شره بالجنة ، ففعل فدخل أبو
بكر َف دلَّى رجليه ، ثم د ق الباب عمر ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ائذن له وب شره
بالجنة ، ففعل ، ثم د ق عثمان الباب ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ائذن له وب شره
بالجنة ، وسيلقى بلاء . رواه الإمام أحمد .
ارتعد منه رجل فقال له : ه ون عليك ! فإني لست بملك إنما أنا بن امرأة تأكل القديد !
طأطأت أمامه رقاب أعدائه ، فطأطأ رأسه تواضعًا لله
18
د خل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فاتحًا متواضعًا حتى إن ذقنه ليمس ر حَله .
كان عليه الصلاة والسلام يركب الحمار ، ويجيب دعوة المملوك ، ويأكل على الأرض ، ويعتقل
الشاة .
وكان ير دف بعض أصحابه خْلَفه
فقد أردف ابن ع مه ابن عباس رضي الله عنهما
وأردف معاذ بن جبل رضي الله عنه
وهذا لا يفعله أرباب المناصب ولا أصحاب الأموال !
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرقع ثوبه ، ويخصف نعله
كان في بيته يكون في مهنة أهله ، يعني في خدمتهم
سئلت عائشة رضي الله عنها : ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته ؟ قالت : كان
يكون في مهنة أهله - تعني خدمة أهله - فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة .
وقيل لعائشة رضي الله عنها : ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته ؟ قالت : كما
يصنع أحدكم : يخصف نعله ، ويرقع ثوبه . رواه الإمام أحمد .
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام على الحصير حتى أّثر في جنبه
قال عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء
، وتحت رأسه وسادة من أ دم حشوها ليف ، وإن عند رجليه قرظا مصبوبا ، وعند رأسه ُأ هب معلقة
، فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت ، فقال : ما يبكيك ؟ فقلت : يا رسول الله إن كسرى وقيصر
فيما هما فيه ، وأنت رسول الله ! فقال : أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ؟ رواه البخاري
ومسلم .
وسجد على الأرض من غير حائل بينه وبينها ، حتى سجد في ماء وطين من أثر المطر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر ، وقد ُأ ِ ريت
هذه الليلة ثم أنسيتها ، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها ، فالتمسوها في العشر الأواخر ،
والتمسوها في كل وتر ، فمطرت السماء تلك الليلة ، وكان المسجد على عريش َف و َ كف المسجد
19
فبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين
. رواه البخاري ومسلم .
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الصبيان ويلاعبهم
وكان يم ر م فيسلِّم عليهم
لو شاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسير معه الجبال ذهبا لكان ، ذلك أنه خير بين أن
يكون عبدًا نبيًا وبين أن يكون نبيًا ملكًا ، فاختار أن يكون نبيًا عبدا .
قال المسيح عليه الصلاة والسلام : طوبى للمتواضعين في الدنيا ، هم أصحاب المنابر يوم القيامة .
طوبى لل مصلحين بين الناس في الدنيا ، هم الذين يرثون الفردوس يوم القيامة .
كتبه / عبد الرحمن بن عبد الله السحيم