يعاني العالم حاليا من مجموعة من التحديات التي أصبحت تهدد حياة و مستقبل الإنسان في الأرض ، كالكوارث الطبيعية من زلازل و فيضانات ، و الإحتباس الحراري الذي أدى الى الجفاف و المجاعة في بعض البلدان ، و الى ذوبان الكتل الجليدية في القطبين المتجمدين الشمالي و الجنوبي ، و ظهور أمراض خطيرة تهدد الإنسان و الحيوان و النبات ، كالسيدا و السرطان و السارس و الجمرة الخبيثة ، و أنفونزا الطيور و الخنازيرو جنون البقر ... الخ ، و تسمم بعض أنواع الخضر بأوربا الغربية في الأشهر الأخيرة ، وقد نتج ذلك عن سوء إستغلال الإنسان للطبيعة باستعماله المفرط للمواد الكيماوية و السامة ، في القطاعين الفلاحي و الصناعي ، لتحسين الإنتاج وزيادته ، بالإضافة الى قضاء الله وقدره و تصرفه في الأرض ، و يبقى مشكل التعاطي للمخدرات ، التحدي الأكبر الذي يواجه بلدان العالم ، حسب منظمة الصحة العالمية ، حيث يؤدي الى وفاة الالاف من الشباب سنويا ، ترى ما هي أسبابه و أثاره و علاجه ؟
1) تعريف :
ـــــــــــــــــــــــ
ــــــ المخدر مادة ذات مفعول على جهاز الإنسان العصبي. و هو صنفين :
ــــــ مخدرات طبيعية و كيماوية ممنوعة تسبب إختلال في الوعي و تسمما في الجهاز العصبي .
ــــــ و مخدرات طبية مسموحة عند الضرورة ، لا تؤثر على عقل الإنسان و صحته ، تستعمل قبل إجراء العمليات الجراحية ، لتنويم المريض و تخديره ، و لإزالة الألم أو منع حدوثه .
2) أنواع المخدرات :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتضح من خلال بيانات ووثائق منظمة الصحة العالمية ، بأن العالم يضم عدة أنواع من المخدرات ، و متوفرة بكثرة في الأسواق العالمية ، و بأثمان في متناول جميع الشرائح الإجتماعية ، و هذه بعضها :
أ ــ مخدرات نباتية أو طبيعية :
+ مخدرات نباتية تتركز المادة المخدرة فيها في أوراقها، كالكيف و القنب الهندي ( الماريوانا) و القات ، والحشيش الذي هو عبارة عن غبرة تستخرج من مخدر الكيف ، وقد تستخرج منه هو أيضا عصارة تسمى بزيت الحشيش .
+ مخدرات تتركز المادة المخدرة فيها في بذورها كجوزة الطيب
+ مخدرات تتركز المادة المخدرة فيها في ثمارها الغير الناضجة كالآفيون
ب ــ مخدرات مصنعة أو مختلطة :
+ نتجت عن تفاعل و مجزمخدرات طبيعية مع مواد كيماوية ، كالمورفين و الكوكايين و الهروين
ج ــ مخدرات كيماوية :
+ يتم صنعها من مواد كيماوية ، تشكل خطورة كبيرة على المدمن أهمها ، حبوب الهلوسة ( القرقوبي )
ـــــــ المخدرات بصفة عامة تكون إما جامدة أو سائلة ، و يتم تناولها عبر الفم أو الأنف أو على شكل حقن .
3) مراحل الإدمان :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
قسم خبراء الطب النفسي مراحل الإدمان الى ثلاثة :
ـ أـ مرحلة التعرف على المخدر و أخذ جرعات قليلة منه
ـ ب ـ مرحلة التكيف و تناول المخدر باستمرار بدون مشاكل
ـ ج ـ مرحلة الإدمان التي يصبح فيها المدمن سجينا للمخدر، يفرض عليه سلطته ، غير قادر على الإستغناء عنه .
5) أسباب التعاطي للمخدرات :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك عدة أسباب تؤدي بالإنسان الى التعاطي للمخدرات كالبطالة و الفراغ القاتل ، و الإصابة ببعض الأمراض النفسية و الهروب من الواقع ، و عدم القدرة على التحمل و التصدي للمؤثرات الخارجية ، و كثرة الهموم و المشاكل و سوء التربية ، و الإنحراف عن تعاليم الشريعة الإسلامية ، و عدم مراقبة القاصرين في الشوارع و المؤسسات التعليمية و بعض أماكن اللعب و التسلية ( البيار و الأنترنيت ...الخ ) و كثرة المروجين لها ، ووفرتها في السوق بأثمان مناسبة بسبب سهولة التنقل بين الدول ، ووجود شبكات دولية متخصصة في تهريبها ، هناك أيضا أسباب وراثية التي تتجلى في تعاطي أحد أقارب المدمن للمخدرات ، أو كان قد سبق له أن كان من المدمنين ، و أسباب بيولوجية التي تتضح في إستعداد شخص ما للتعاطي للمخدرات أكثر من غيره ... الخ .
6)موقف الشريعة الإسلامية و القوانين الوضعية من المخدرات:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد حرم الإسلام التعاطي للمخدرات ، أو إنتاجها ، أو بيعها و ترويجها بين الناس ، لأنها من الخبائث ، و تتعارض مع أحد مقاصد الشريعة الذي هو حفظ النفس العزيزة عند الله سبحانه و تعالى من الهلاك و الدمار ، و يقول الله عز وجل:
(( و لا تلقوا بأيديكم الى التهلكة)) ـ البقرة الآية 195 ، و يقول أيضا (( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ))ـ النساء الآية 29 .
و قد روي عن عائشة زوجة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، أنها قالت ، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتغ ؟ فقال " كل شراب أسكر فهو حرام " ، وقد روي عنه أيضا، أنه قد نهى عن كل مسكر، و مفتر، و المفتر ما يحدث في الجسم الفتور و الخدر، و هو ما ينطبق على كل أصناف المخدرات بدون استثناء، و روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أنه قال " الخمر ما خمر العقل " .
لقد اتفقت كل دول العالم على محاربة التعاطي للمخدرات ، نظرا لخطورتها، و أضراها على الفرد و المجتمع ، وو ضعت قوانين صارمة خاصة بذلك ، لمعاقبة كل من ينتجها أو يبيعها أو يستهلكها ، وو قعت مجموعة من الإتفاقيات فيما بينها للتعاون ، و تبادل الخبرات لمكافحتها ، و استئصالها من جذورها .
7) أثار المخدرات على الفرد و المجتمع :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ أـ على الفرد :
ــــــــــــــــــــــ
للمخدرات أضرار كثيرة على صحة المدمن ، فهي تؤثر على العقل و الأعصاب ، و على الرئة ، و الكبد ،و البنكرياس و القلب ، و المعدة، و الحنجرة، و الأسنان... الخ ، و تؤدي الى الإسهال، و سوء الهضم ، و فقر الدم ، والضغط الدموي ، و ارتفاع حرارة الجسم .
تؤدي الى ظهور أمراض خطيرة ، كالسيدا خاصة إذا تم إستعمال الحقن بشكل جماعي ، و السرطان ، وانفصام الشخصية ، و الضعف الجنسي ، وعدم الثقة في النفس ، و القلق ، وتؤدي الى الكسل ، و التواكل ، و يحتقر المدمن في البيت و الشارع و في مقر عمله إذا كان يشتغل .
البحث عن المال لشراء المخدرات يؤدي بالمدمن الى قبول الرشوة ، و السرقة ، و الإختلاس ، و الإستدانة و الى العنف و الإجرام بصفة عامة .
ـ ب ـ على المجتمع :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
للمخدرات أثار واضحة على المجتمع ، فهي تؤثرعلى العلاقات الزوجية ، و تؤدي الى الرفع من نسبة الطلاق و التفكك الأسري ، و الى بروز أطفال شوارع ، وولادة أطفال مشوهين ، و الى الرفع من نسبة بعض الظواهر الإجتماعية كالبطالة ، و البغاء ، و اللواط ، و التسول ، و عدم الإستقرار الإجتماعي ، بسبب توتر العلاقات بين الأسر، و الأقارب ، و الجيران ، مما يؤدي الى مشاجرات وخلافات قد تؤدي الى جرائم خطيرة .
المخدرات تؤدي الى الإخفاق و الهدر المدرسي ، و الى ارتفاع نسبة الرسوب في صفوف التلاميذ و الطلبة ، و الارتفاع في حوادث السير ، و الى الزيادة في تكاليف الدولة المخصصة للصحة، و علاج الإدمان ، و المتابعات القضائية و الجنائية... الخ .
علاج مشكل التعاطي للمخدرات : ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ تمر عملية علاج مدمني المخدرات بثلاثة مراحل :
أـ مرحلة العلاج :
ــــــــ يخضع فيها المدمن الى علاج سريري مركز ، مع تناول أدوية مضادة للإدمان ، و تحت إشراف أطباء متخصصين ، و يعالج نفسيا أيضا بإشراف من خبراء الطب النفسي.
ب ـ مرحلة الإقلاع:
ــــــــ يتخلص فيها المدمن من سلطة المخدرات ، مع الإستمرار في تناول الأدوية المضادة ، و الدعم النفسي ، و العمل على إدماجه في المجتمع عن طريق تعليمه ، وتكوينه ، بإنشاء مراكز خاصة ، ووحدات للعلاج ، بتشارك بين الدولة ، و الجماعات المحلية و القطاع الخاص .
ج ـ مرحلة مابعد الإقلاع :
ـــــــــ تسمى بمرحلة عيش المدمن المعالج بدون مخدر، يكون فيها عاديا كما كان قبل التعاطي له ، مع تشجيعه و العمل على إدماجه في سوق الشغل، أو مساعدته على خلق العمل الذاتي ، و حثه على ممارسة أنشطة أخرى في أوقات فراغه ، كالرياضة و المطالعة و الرحلات ...الخ ، لكي لا يعود الى المخدر.
2ـ إحتياطات لابد منها :
يجب و ضع مجموعة من الإحتياطات لمنع إنخراط أشخاص اخرين في عالم المخدرات ، عن طريق مراقبة المؤسسات التعليمية ، بتشارك بين مدرائها و المدرسين، و السلطات المحلية ، و جمعيات اباء و اولياء التلاميذ ، و المجالس المنتخبة ، و المجتمع المدني ، مع مضاعفة المجهودات لمحاربة الظاهرة، عن طريق تشديد المراقبة على كل من يهربها أو يروجها بين المواطنين، في الشوارع ، و المقاهي ، و الأماكن العمومية ، أو يسهل أو يساعد على ذلك ، واستغلال و سائل الإعلام ، و مواقع الأنترنيت ، لتقوم بتحسيس المواطن عن مخاطرها .
خلاصة القول ، مشكل التعاطي للمخدرات ، من أخطر مشاكل العالم المعاصر، أسبابه متنوعة ، و أثاره مدمرة تهدد الملايين من شباب العالم ، و تتطلب مشاركة و تدخل الجميع لمحاربتها ، بوضع برامج خاصة ، و مخططات معقولة التي بإمكانها أن تساعد على إعادة إدماج المدمنين، لتحويلهم الى مواطنين صالحين ، مع بذل كل المجهودات لمنع إنخراط شباب جدد في عالم المتعاطين للمخدرات ، فالأمم تتقدم و تزدهر سياسيا، و اقتصاديا، و اجتماعيا، و ثقافيا، و رياضيا ... الخ ، بقوة، و صحة ، و سلامة شبابها